فضول_الجوارح
#مقدمة
كلمة فضول في اللغة تعني الشيء الزائد عن الحد ، والمرء إذا تدخل فيما لا يعنيه يسمى فضولي ؛ لأنه خرج عن الحد وتدخل في حدود غيره، أما كلمة جوارح فيقصد بها الحواس التي من خلالها يتعامل المرء مع غيره ؛ كالسمع والبصر واللسان.
وكل شيء خلقه الله تعالى في البدء خلقه للخير ، فإذا زاد عن حده انقلب إلى ضده فينشأ عنه الشر .
فالجوارح خلقها الله تعالى ليُعْمِلها المرء في الخير وفيما يرضيه سبحانه ، فيتبلغ بها المرء في حياته الدنيا ، لا أن يستعملها في الشر وفيمايغضبه عز وجل .
إذن، فالمقصود بفضول الجوارح هو أن يستعمل المسلم جوارحه في الحرام وفيما زاد عن الأصل المطلوب - ألا وهو استعمالها في الخير - كأن ينظر للحرام ، أو يستمع للحرام ، أو يتكلم بالحرام ، أو يفكر في الحرام.
إذ الواجب على المسلم أن يتقي الله تعالى في كل أوقاته ، وأن يجعل أمام ناظريه عظمة الله تعالى وجلاله ، وأن يستذكر الموت دوماً ؛ لأن مناستحضر عظمة الله تعالى واستذكر الموت منعه ذلك عن العصيان ، وكبح جماح نفسه عن الذنوب والآثام والتمادي فيها.
والتقوى في القول أمر سهل ولكنه في الفعل من أصعب الأمور ، وحقيقة التقوى هي أن يجعل العبد بينه وبين حدود الله تعالى وعذابه وقاية ،وذلك لا يستقيم للمرء حتى يحفظ الرأس وما وعي وجوارحه عن الفضول ؛ فلا ينظر إلى ما لا يعنيه ، ولا يسمع ولا يستمع لما لا يعنيه ، ولايتكلم فيما لا نفع منه ، ولا يفكر فيما لا يعنيه ، ولنتذكر دوما قوله صلى الله عليه وسلم في ترك الفضول : «من حسن إسلام المرء تركه مالايعنيه». [الترمذي وأحمد ومالك وابن ماجة].
وكم من شخص نظر إلى ما لا يعنيه فتعلق قلبه بذلك فضلَّ وربما هلك ، وكم من شخص استمع إلى ما لا يعنيه فتعلق قلبه بذلك فضل وربماهلك ، وكم من شخص تكلم بكلمة أهلكته وأوبقته ، وكم من شخص فكر وتفكر فيما لا يعنيه فضلَّ وربما هلك .
وكل فضول - حقيقة - لا يعود على المرء بأي نفع، بل ربما عاد عليه بهلاك ومَضرّة وفتنة ومَضلَّة وويلات ، وربما عاد عليه بما يودي بحياته إلىالهاوية والعياذ بالله تعالى .
ولذلك فالواجب على الإنسان أن يحفظ جوارحه ، ولا سيما سمعه وبصره ولسانه وفكره عن الخوض والتخوض في أي شيء ليس منه أيمصلحة تعود عليه ، فعن أبي سعيد الخدري قال : قال صلى الله عليه وسلم : «إذا أصبح ابن آدم فإن الأعضاء كلها تُكفِّر اللسان ، فتقول : اتق الله فينا فإنما نحن بك ؛ فإن استقمت استقمنا ، وإن اعوججت اعوججنا». [الترمذي وأحمد والدرامي].
1⃣ #فضول_النـظر
نعمة النظر أخي المسلم تعتبر من أكبر حواس وجوارح الإنسان التي منَّ الله بها على العبد ، وهي نعمة لا يعرف حقيقة قدرها إلا من حُرِمَها ،والحمد لله على نعمة البصر ، والحمد لله الذي عافانا مما ابتلى به كثيراً من العالمين ، وفضَّلنا على كثير ممن خلق تفضيلا .
والممعن النظر بعين بصيرته يعلم أن نعمة النظر لا تُقدَّر بثمن ، وقد جعلها الله تعالى ليتمتع بها الإنسان بما يرى في هذا الكون الفسيح ،فيتفكر فيما حوله من ملكوت الله تعالى ، ويعرف قيمة هذه النعمة العظيمة ، ولذلك فالواجب استعمال هذه النعمة فيما يرضى الله تعالى لافيما يغضبه ويسخطه سبحانه ، ولذلك كان من دعائه صلى الله عليه وسلم : «وأن يكون نظري عِبرة» أي كلما نظرت لشيء اعتبرت به فأزدادإيمانا ويقينا وقربا منك يا رب .
ويجب أن تعلم أخي المسلم أن النظر يُعد من أقوى الأسباب التي تجعل قلب المرء يتعلق بما يرى، ولذا فالعاقل هو الذي لا يطلق لنظره العنانلينظر لكل ما يرى، فقد يتعلق قلبه بشيء يهلكه ، فالعين كما قيل : بحر ولا تشبع من النظر ، وفي الحديث : «...ولا يملأ عين ابن آدم إلاالتراب ، ويتوب الله على من تاب» [متفق عليه] .
ولذلك فقد حذر صلى الله عليه وسلم من عاقبة النظر ومن مهالكه ، ولا سيما النظر للحرام ولما فيه معصية ، فالقلب سريعاً ما يتعلق بما يرىويشاهد.
والنظر المحرم لا يشك شاكٌّ في كونه مذلة ومهانة للشخص ، وهو مما يجعل المسلم عبد للشيء ، فالإنسان إذا نظر لشيء وتعلق قلبه به صارعبدا له ، وتجده يهيم بفكره فيما نظر إليه ، ويبني أفكارا على أفكار، كلها هراء وضروب من نسج الخيال .
👈 والنظر المحرم له صور كثيرة ؛ يتصدر ذلك النظر للنساء ومفاتنهن ، وتتبع عوراتهن ومفاتن أجسادهن والتلذذ بذلك ، سواء كان عيانا أومن خلال الصور والمجلات الخليعة ، أو من خلال التلفاز والقنوات الفضائية ، والتي للأسف تعرض النساء في أبهى حلة وأزهى لباس لشدِّانتباه المشاهد ، يأتي بعد ذلك النظر للصبيان المُلحاء والمردان من الرجال ، ولا سيما المخنثين منهم ، وإعادة النظر لعوراتهم والتلذذ بذلك ،ولك أن ترى الكثير مما يُعرض في التلفاز من عورات في الملاعب والحلبات والمسلسلات ، والتي تُظهر الرجال ولا سيما الشباب والغلمانبلباس ضيق فاضح ، وبألوان زاهية وكأنهم فتيات ، هذا فضلا عن عرض الفتيات في صور فاضحة مخجلة .
👈 ومن صور النظر المحرم أيضا نظر النساء للرجال ، وما ينتج عنه من مفاسد ، فالمرأة قد تنظر لغير زوجها فتزدري زوجها ، وهذا أمر فيغاية القبح ، قال صلى الله عليه وسلم : «إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنا أدرك ذلك لا محالة ؛ فزنا العين النظر ، وزنا اللسان المنطق ،والنفس تتمنى وتشتهي ، والفرج يصدق ذلك كله أو يكذبه» [متفق عليه] .
والنظر للنساء وبالأخص من قبل الرجال المتزوجين قد يورث عدم الرضا بالزوجة ، فقد يزدري الرجل زوجته ويتنكر لها لما يرى من عجائبالنساء وحسنهن مما لا يرى في زوجته فيتحسر على ذلك ، وقد يطلق نظره ليرى محاسن هذه وتلك من النساء ليعوض النقص الذي لا يجدهفي زوجته ، وقد يتطور الوضع فيضيع بيته لمجرد تعلق قلبه بأوهام لا حقيقة لها .
وعموما فالتلفاز والفيديو والقنوات الفضائية وكل أدوات الاتصال هي آلات تستخدم في الضرر في معظم الأحوال ، والقلة من الناس منينتفع منها وبها وبما يعرض فيها ، وجُلُّ الذي يعرض فيها يُعد من الغث الذي لا منفعة منه ، بل وفوق كل ذلك يشغل وقت الناس ويقتلهويضيعه بلا فائدة ، وأكثرية الناس يتأثر بما يشاهد ويُعرض من خلالها ، فيحاكي ذلك بلا شعور منه ، ولا سيما الأطفال والنساء سريعيالتأثر والتقليد .
👈 ومن صور النظر المحرم أيضا النظر لكتب الضلال والفرق المنحرفة ذات العقائد الفاسدة ، وكذلك النظر لكتب أهل المنكر والفسق ؛ ككتبالسحر والشعوذة ، وكم من أناس كثير دفعهم حب الفضول والاستطلاع لتلك الكتب وقراءتها إلى الهلاك والضلال والعياذ بالله ، لذا فاحفظجارحتك يا أخي ولا تعص الله تعالى بها .
👈 ومن صور النظر المحرم النظر للمارة في الطريق ، وكأن الجالس فيه رقيب على الناس يلحظ هذا ويرقب ذاك ، قال صلى الله عليه وسلم: «إياكم والجلوس بالطرقات» قالوا : يا رسول الله ، ما لنا بد من مجالسنا نتحدث فيها ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إذا أبيتم إلاالمجلس فأعطوا الطريق حقه» قالوا : وما حقه ؟ قال : «غض البصر ، وكف الأذى ، ورد السلام ، والأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر» [متفقعليه] ، إذن فكل نظر ليس منه فائدة فالأولى غض البصر عنه
#عواقب_النظر
والمرء أخي المسلم مبتلى في كل حياته، وقد يقدر الله تعالى عليه أن يقع بصره على ما لا يرضيه سبحانه كعورات الناس ، والواجب هنا هوصرف المسلم بصره عما شاهد من تلك الأمور ، لأن فيها هتك أستار وكشف عورات لا ينبغي التطلع عليها ، عن جرير بن عبد الله قال : سألترسول الله صلى الله عليه وسلم عن : نظر الفجاءة ، فأمرني أن أصرف بصري [مسلم] ، وقال صلى الله عليه وسلم : «من رأى عورة فسترهاكان كمن أحيا موؤدة» [أبو داود ، والنسائي في الكبرى ، وأحمد والحاكم] ، وقال صلى الله عليه وسلم : «من ستر عورة أخيه المسلم سترالله عورته يوم القيامة ، ومن كشف عورة أخيه المسلم كشف الله عورته حتى يفضحه بها في بيته» [ابن ماجة وأحمد والحاكم] .
ولذلك فلا ينبغي على المسلم أن يُتْبِع النظرة النظرة لما فيها من تجنٍ وإصرار يعود على الفرد بالمعصية والخسران والوبال ، وكم من شخصأصر على النظر للحرام فعاقبه الله تعالى بالحرمان من الخير وإدمان الحرام ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلى : «يا علي، لا تتبعالنظرة النظرة ؛ فإن لك الأولى وليست لك الآخرة» [أبو داود والترمذي وأحمد والدارمي] ، فالنظرة الأولى لك لأنك لم تقصدها ، أما النظرةالثانية فليست لك لأنك تقصدها ، فلا تحدق البصر ولا تمعن النظر ولا تنظر وتنظر وكأنك نهمان ، قال الشاعر :
لا تتبع النفس الهوى
ودع التعرض للمحن
إبليس حي لم يمت
والعين باب للفتن
وذلك صحيح، فالعين باب الفتن الذي من خلاله تمر الضلالات والشهوات وعوالق القلب إلى القلب، فقد تستقر فيه وتتشربه فيصبح القلب عبدالها .
قصة.في.النظر.tt
يُروى عن السلف أن شابا في مقتبل العمر كانت تظهر عليه آثار التدين والصلاح وكان مؤذنا في مسجد ، وكان الإمام قد أوصاه ألا يلتفتيمينا وشمالا أثناء الأذان ، وكان للشيخ مغزى من ذلك القول ، ولكن الفتى لم يستمع لكلامه ولم يفطن لما قيل له , وبينما الشاب يؤذن في يوممن الأيام إذ التفت عند قوله (حي على الصلاة) فرأى بنتا من أجمل البنات على سطح البيت المجاور للمسجد ، ففتن بها وتعلق قلبه بها ،فقطع الأذان مباشرة ونزل إلى ذلك البيت وطرق الباب ، وبلا وعي ولا إدراك وبدون أي مقدمات طلب من الفتاة الزواج ، فقالت : أطلب ذلك منأبي ، فلما جاء الأب طلب الشاب منه الزواج من ابنته فقال الأب : أنت مسلم ونحن قوم نصارى ، فإن تنصرت زوجناك ، فما كان من الشابوبدون وعي ولا أدنى تفكير إلا أن كفر وتنصر لكي يزوجه الرجل من ابنته تلك ، ولكن الموت فاجأه قبل أن ينعم بها ، ومات كافرا والعياذ باللهتعالى .
⁉️فانظر أخي المسلم كيف أن النظر قد يورث الشقاء والهلكة والعياذ بالله، واحذر مقت الله تعالى ، فقد يمقتك وأنت تنظر للحرام وتتلذذ به ،أو وأنت تستهزئ وتسخر فلا يغفر لك أبدا ، وربما كتب عليك الشقاء أبدا ، نسأل الله السلامة ، واعلم أن العرب كانت تقول : (رب نظرة أعقبتحسرات)
2⃣ #فضول_السمع
نعمة السمع أخي المسلم نعمة كبيرة من نعم الله تعالى على العبد ، لا يعرف قيمتها حقيقة إلا من حُرمها ، ونعمة السمع قد قدّمها سبحانهوتعالى في القرآن الكريم في مواضع كثيرة على نعمة البصر ، وذلك يوضح مدى فضل هذه النعمة، كقوله تعالى في عدة آيات : ﴿ إِنَّه هُوَالسَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴾ ، فالحمد لله الذي عافانا مما ابتلى به كثيرا من العالمين وفضلنا على كثير ممن خلق تفضيلاً ، والله سبحانه وتعالى منحناهذه النعمة لنستعملها فيما يرضيه عنا ؛ فلا نسمع إلا ما يرضيه لا ما يسخطه ويغضبه.
والسمع مجاله واسع ، ولذا فالواجب على المسلم ألا يعطي أذنه لكل أحد؛ فيصدق كل ما يسمع ، وما ينشر وما يروج ؛ لأن ذلك يعني سذاجةمنه وقلة وعي.
وكم من أشخاص صارت حياتهم مليئة بالمشاكل والمشاحنات ؛ لأنه أعطى أذنه لكل أحد، فيسمع من هذا ويسمع من هذا دون أن يتأكدويتثبت مما سمع.
والسمع المحرم له صور كثيرة ؛ منها الاستماع لما يغضب الله تعالى كالغناء والموسيقى والتلذذ بسماعها، والمسلم إذا تعود سماع ذلكوانسجم معه ولا سيما بصوت مرتفع ومزعج قد يضايق ذلك غيره ، وإذا ألفت نفسه ذلك وارتاحت لذلك الفعل فيتولد لديه - والعياذ بالله تعالى - الإعراض عن سماع القرآن الكريم والتلذذ به ، ويأنف عن سماع الخير والنصائح والأشرطة النافعة المفيدة ، فيجازيه الله تعالى بالحرمان منالخير ويعاقبه بحب الحرام وإدمانه.
ومن صور السمع المحرم الاستماع للغيبة والنميمة ونقل الكلام ، والتكلم في أعراض الناس، ولوك سمعتهم ، وما تحتويه المجالس من ذكر ذلككله والتفكه به، حتى أن البعض لا يعجبه إلا ذكر الناس والانخراط في التقول فيهم وإبراز معائبهم وعثراتهم ، ولا شغل له سوى ذلك العملالرذيل والعياذ بالله تعالى ، قال صلى الله عليه وسلم : «أتدرون ما الغيبة ؟ ذكرك أخاك بما يكره ، فإن كان فيه فقد اغتبته ، وإن لم يكن فيهفقد بهته» [مسلم] ، وبهته من البهتان وهو الافتراء الكذب.
وقال صلى الله عليه وسلم : «لا يدخل الجنة قتَّات» [أصحاب السنن] ، والقتات هو النمام ، شبهه صلى الله عليه وسلم كالذي يقتات علىأعراض الناس.
ومن صور السماع المحرم الاستماع لأهل الباطل والشر ، والرضا بما يقولون وعدم الاعتراض عليهم ، وكذلك الاستماع للسب والشتم واللعنوالقذف ، وعدم الاكتراث بذلك وكأنه أمر لا يعنيه ، وذلك خطأ ، قال صلى الله عليه وسلم : «ما من امرئ يخذل امرأ مسلماً في موضع تنتهكفيه حرمته وينتقص فيه من عرضه إلا خذله الله في موطن يحب فيه نصرته ، وما من امرئ ينصر مسلما في موضع ينتقص فيه من عرضهوينتهك من حرمته إلا نصره الله في موطن يحب نصرته». [أبو داود وأحمد].
وقال صلى الله عليه وسلم : «من ذب عن لحم أخيه بالغيبة كان حقا على الله أن يعتقه من النار» [أحمد ، والطبراني في الكبير ، وأبو يعلي] ،إذ الواجب على المسلم إذ سمع من يتكلم على غيره من الناس بسوء ؛ ككذب عليه وبهتان أو غيبة له أو نميمة أو.. أو.. ، يجب عليه أن ينهاهمعن الخوض في ذلك وألا يُقرهم عليه في جلوسه معهم ، فإن لم يستمعوا له فعليه أن يعتزل الجلوس معهم.
ومن صور الاستماع المحرم التجسس على الناس والتسمع لما يقولون والتصنت عليهم ، وربما وهم لا يرغبون في استماعه لهم.
قال صلى الله عليه وسلم : «... ومن استمع إلى حديث قوم وهم له كارهون أو يفرون منه صب في أذنه الآنك يوم القيامة...» [البخاري] ؛والآنك هو الرصاص المذاب.
وقال صلى الله عليه وسلم : «إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث ، ولا تحسسوا، ولا تجسسوا ، ولا تنافسوا ، ولا تحاسدوا ، ولا تباغضوا ،ولا تدابروا ، وكونوا عباد الله إخوانا» [متفق عليه] ، فالتجسس من أخبث الطبائع والعادات والعياذ بالله تعالى ، وهو دليل على خبث النفسولؤم الطباع وقلة الحياء ، وهو أمر لا يرضاه أحد على نفسه فكيف يرضاه لغيره !
وعن زيد بن وهب قال : أُتىَ ابن مسعود فقيل : هذا فلان تقطر لحيته خمرا ، فقال عبد الله : (إنا قد نُهينا عن التجسس ، ولكن إن يظهر لناشيء نأخذ به).
ومن صور الاستماع المحرم الاستماع لأهل الحق والعلم، لا على سبيل التعلم والاستفادة منهم ، بل على سبيل عد السقطات والهفوات وتتبعالعثرات ، ومن ثمَّ رميهم بها والانتقاص من قدرهم والتكلم في حقهم والعياذ بالله ، وهذه تعد من أبشع صور السماع المحرم.
واعلم أخي المسلم أن سماع الحرام والباطل والإدمان عليه يميت القلب ويُقسِّيه ، ويجعله لا يستشعر الحق ولا يستطيع أن يفرق بينه وبينالباطل ، وربما يورث القلب الاشمئزاز من سماع الحق والخير والبر والنصح ، ويأنف من ذلك كله ، وقد يتطور الأمر فيصبح القلب منكوسالفطرة والعياذ بالله تعالى ، وكل ذلك سببه الرضا بسماع الباطل وعدم الاعتراض عليه ، إذ الواجب على المسلم إحقاق الحق وإزهاق الباطلمتى سمع ذلك.
#عواقب_السمع
المرء - أخي المسلم - مبتلى ، وكل مسلم لا يسلم من البلاء على مر السنين ، وقد يسمع من الناس ما لا يرضيه في سمعته أو في سمعة أهلبيته أو ذويه ، والواجب عليه في كل الأحوال الصبر وعدم الاكتراث لما يحصل ؛ لأنه ليس كل ما يقال صح خبره ، إضافة إلى أن غالب مايسمعه المرء لا يخلو من المبالغات وربما التجني على الغير ، ولذا فعلى المسلم مقابلة ذلك كله بقلب كبير وصبر وحلم لا ينفذان ، وحزم وثباتراسخين ، وأجره عند الله تعالى كبير ولا يضيع ، قال تعالى : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ ﴾[الحجرات: 6] .
□ وقال صلى الله عليه وسلم : «المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أعظم أجرا من المؤمن الذي لا يخالط الناس ولا يصبر علىأذاهم» [ابن ماجة وأحمد والبيهقي] .
قصة في السمع :
● يُروى أن شابا يافعا من طلبة العلم المثابرين الحريصين على تحصيل العلم الشرعي المحبين له- جلس يوما يستمع لشيخ من رؤوسالضلال والبدع ، متعللا بأنه إنما يستمع له ليعرف مواضع الضلال منه فيتحرز منها ويرد عليه ، ولم يكن لدى الشاب العلم الكافي الذييُمكِّنه من معرفة الشبهات والقدرة على كشفها بعد .
وفي يوم من الأيام وبينما الشاب يسمع لشيخ الضلال ذلك إذ سمع منه مسألة في الاعتقاد ، وشبهة حار عقله بها وتلبست عليه ، فلم يعرفكيف يردها ، ومنذ ذلك اليوم صار الشاب يتنقل بين العلماء والفقهاء ، ينهل من علمهم ، ويسألهم فيجيبوه ، ويحاول أن يقنع نفسه بما يسمعمنهم من الحق ، ولكن قلب ذلك الشاب كان قد تشرب بتلك الشبهة ، ولم يقتنع بجواب أي من أولئك العلماء ، فما كان منه إلا أن ذهب لشيخالضلال ذلك واعتنق مذهبه المنحرف ، والذي أوصله ولا شك إلى الكفر ، فمات على الضلال وهو يعتنق ذلك المذهب ويدين به والعياذ باللهتعالى.
⁉️ فاحذر أخي المسلم من الاستماع لما لا ينفعك ولا فائدة منه ، وكم من شخص مَقَتَه الله تعالى لسماعه شيء يغضبه سبحانه ، فكتب اللهتعالى عليه الشقاء إلى يوم يلقاه ، واعلم أن العرب كانت تقول : (رب كلمة قالت لصاحبها دعني) ، وكانت تقول : (فلان أذن) أي أنه سمّاعلكل ما يقال له بلا وعي ولا بصيرة.
3⃣ #فضول_الكلام
#اللسان هو العضلة التي يعبر بها الإنسان عما بداخله ، ولذا فهو من أهم الجوارح التي توصل صاحبها إما إلى النجاة وإما إلى الهلكة ،وكم من شخص تكلم بكلام أوبق به حياته ، وكم من شخص تكلم بكلام كتب له به الرفعة والسؤدد ، فاللسان كما قيل حصان ، من صانه نجاوسلم ، ومن ركب به كل علو سفل وخاب وخسر وهلك ، ولذلك فالواجب على المرء ألا يتكلم بكلام هو يعلم حينها أنه لا فائدة منه ، وأن الأولىفي حقه حينها السكوت ، قال صلى الله عليه وسلم : «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت...» [متفق عليه] .
● واللسان مهلكة غالبا ، والشخص إذا تكلم بكلام من الصعب عليه أن يرده ، وكما قيل فالإنسان يملك الكلمة ما لم يتكلمبها فإذا تكلم بها ملكته .
والإنسان إذا استشعر أن كلامه مُحصى عليه وأنه قد يهلك بسببه، أقلَّ الكلام ولم يستكثر منه ، قال تعالى : ﴿ مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌعَتِيدٌ ﴾ [ق : 18] .
● وعن معاذ بن جبل قال : قلت : يا رسول الله ، أنؤاخذ بكل ما نتكلم به ؟ فقال صلى الله عليه وسلم : «ثكلتك أمك يا معاذ بن جبل ، وهل يكبالناس على مناخرهم في جهنم إلا حصائد ألسنتهم» [أحمد ، والطبراني في الكبير] .
● والمرء قد تكتب له السعادة في الدنيا والآخرة بكلمة ، وقد يكتب عليه الشقاء أيضا بكلمة والعياذ بالله تعالى ، ولنتذكر قولهصلى الله عليه وسلم : «إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله لا يلقي لها بالا يرفعه الله بها درجات ، وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط اللهلا يلقي لها بالا يهوى بها في جهنم». [رواه البخاري] .
● وقال صلى الله عليه وسلم : «إن أحدكم ليتكلم بالكلمة من رضوان الله ما يظن أن تبلغ ما بلغت فيكتب الله له بها رضوانه إلى يوم يلقاه ،وإن أحدكم ليتكلم بالكلمة من سخط الله ما يظن أن تبلغ ما بلغت فيكتب الله عليه بها سخطه إلى يوم يلقاه». [مالك والترمذي وأحمد] ، فبكلمةقد تكتب للمرء النجاة والسعادة ، وبكلمة قد يكتب على المرء الشقاء والتعاسة .
#وآفات_اللسان كثيرة لا تُحصى ؛ كالكذب ، والسب والشتم واللعن والقذف ، وقول الزور، والتطاول في أعراض الناس، والاستهزاء بهم ،والتقليل من شأنهم ، وقول الباطل وإظهاره ، وإخفاء الحق وإقصائه، والتحريش بين الناس ، والتحريض ، ونقل الكلام بينهم للإيقاع بهم ،والغيبة بذكرهم بالسوء ورميهم بالنقيصة ، والسعي بينهم بالنميمة ، والغش والاحتيال والنفاق... والكثير غير ذلك من آفات اللسان .
⚠️ ومن أقبح صور الكلام المحرم إطلاق العنان للسان للتكلم في أعراض الناس وتتبع عوراتهم وزلاتهم ، قال صلى الله عليه وسلم : «لا تؤذواعباد الله ، ولا تعيروهم ، ولا تطلبوا عوراتهم ؛ فإنه من طلب عورة أخيه المسلم طلب الله عورته حتى يفضحه في بيته». [رواه أحمد] .
● وعن معاوية قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : «إنك إن اتبعت عورات الناس أفسدتهم أو كدت أن تفسدهم» [أبو داودوالبيهقي ، والطبراني في الكبير] ، والتكلم في أعراض الناس دليل على قلة الإيمان وضعف النفس والعقل ، وهو نذير شؤم وهلكة ؛ لما يتولدعنه من مشاكل وأحقاد في قلوب الناس .
● عن ابن عمر قال : صعد رسول الله صلى الله عليه وسلم المنبر فنادى بصوت رفيع فقال : «يا معشر من قد آمن بلسانه ولم يفض الإيمانعلى قلبه ، لا تؤذوا المسلمين ، ولا تعيروهم ، ولا تتبعوا عوراتهم ، فإنه من تتبع عورة أخيه المسلم تتبع الله عورته ، ومن تتبع الله عورته يفضحهولو في جوف رَحلِه» [أبو داود والترمذي وأحمد] .
ومن صور الكلام المحرم النهي عن المعروف والأمر بالمنكر ، والإعانة على الظلم والعدوان ، وإيقاع الناس في الفتن ، وإذكاء الخصومات ، قالصلى الله عليه وسلم : «من أعان على خصومة بظلم فقد باء بغضب من الله» [أبو داود والترمذي] .
وقال صلى الله عليه وسلم : «من حالت شفاعته دون حد من حدود الله فقد ضاد الله ، ومن خاصم في باطل وهو يعلمه لم يزل في سخط اللهحتى ينزع عنه، ومن قال في مؤمن ما ليس فيه أسكنه الله ردغة الخبال حتى يخرج مما قال» [أبو داود والحاكم والبيهقي] ؛ وردغة الخبالهي عصارة أهل النار .
وعن ابن عباس مرفوعا قال : قال صلى الله عليه وسلم : «من أعان باطلا ليدحض بباطله حقا فقد برئت منه ذمة الله وذمة رسول الله صلى اللهعليه وسلم » [الحاكم، والطبراني في الكبير ] .
ومن صور الكلام الحرام نقل الأخبار والتكلم في كل شيء يسمعه المرء وكأنه وكالة أنباء متنقلة ، يروج الأخبار ولا يتأكد من مدى صحتها ،ومن كان شأنه ذلك فهو ولا شك واقع في الكذب لا محالة ؛ لأن ليس كل ما يقال صحيح وصدق ، قال صلى الله عليه وسلم : «كفى بالمرء كذباأن يحدث بكل ما سمع» [مسلم] .
وأعلم أخي المسلم أن كثرة الكلام تعني كثرة السقطات والأخطاء ، فمن كثر كلامه كثرت أخطاؤه وزلاته ، والمرء في حقيقة نفسه كثير الأخطاءوالخلل والزلل لو كان يعلم ويعقل ، والعاقل من حاسب نفسه وكف عن عيوب الناس ، والجاهل من أشغل نفسه بعيوب الناس وترك عيوب نفسه،قال صلى الله عليه وسلم : «لا تكثروا الكلام بغير ذكر الله فتقسوا قلوبكم، فإن القلب القاسي بعيد من الله ولكن لا تعلمون ، ولا تنظروا فيذنوب الناس كأنكم أرباب، وانظروا في ذنوبكم كأنكم عبيد ، فإنما الناس مبتلى ومعافى ، فارحموا أهل البلاء ، واحمدوا الله علىالعافية» [مالك والترمذي] .
ولنتذكر قوله صلى الله عليه وسلم لما سُئل : أي الناس أفضل ؟ فقال : «كل مخموم القلب صدوق اللسان» قالوا : صدوق اللسان نعرفه، فمامخموم القلب ؟ قال : «هو التقي النقي ، لا إثم فيه ولا بغي ، ولا غل ولا حسد» [ابن ماجة ، والطبراني في الكبير] .
ولنتذكر دعاءه صلى الله عليه وسلم : «وأن يكون نطقي ذكرا» أي يكون ذكرك يا رب دوما على لساني ، فإن نطقت فأنت أول منطقي ولنأتكلم بشيء تكرهه .
#عواقب_الكلام
اعلم - أخي المسلم - أنه إذا لم يكن من الكلام فائدة فالأولى عندها السكوت ، وكما قيل إذا كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب ، والأصلفي الكلام هو التخاطب بلغة يفهمها الجميع بما ينفع الناس لا بما يُوَّلد بينهم الأحقاد والضغائن والفتن والقطيعة.
وكم من فتن ومشاكل بل وحروب قامت كان سببها اللسان ، وكم من أسرة تشتت شملها وتفرق زوجيها بسبب اللسان ، وكم من قطيعة حلتبين الأقارب كان سببها اللسان ، وهكذا ، فاللسان تأثيره أشد وأنكى من اليد والفعال في الكثير من الأحيان ، وكما قال الشاعر :
يموت الفتى من عثرة بلسانه ••
وليس يموت الفتى من عثرة
فعثرته مِن فِيْهِ ترمي برأسه ••
وعثرته بالرجل تبرا على مهل
والمعنى أن الرجل إذا عثرت به رجله فسريعاً ما تبرأ ، أما إن عثر لسانه فقد يوقعه ذلك في الموت والهلاك.
ولنتذكر قوله صلى الله عليه وسلم لما ذكر الفتن آخر الزمان فقال صلى الله عليه وسلم : «إنها ستكون فتنة تستنظف العرب ، قتلاها في النار، اللسان فيها أشد من وقع السيف» [أبو داود وابن ماجة] ، لأن اللسان حينئذ يجر إلى الفتن وإلى مهالك وخيمة علي الجميع .
قصة.في.الكلام.tt
يروى أن شابا من المتدينين والمعروفين بحسن خلقه كان يُعرفُ بكثرة كلامه ، ولم تكن فيه خلة ذميمة سوى تلك ، وكان كثيرا ما يقع في أعراضالناس رغم تدينه ، وكانوا كثيرا ما يعفون عنه ويسامحونه .
وفي يوم من الأيام تعرض ذلك الشاب لشيخ كبير هرم مريض ، فتكلم عليه وتهكم عليه وازدراه ، فما كان من ذلك الشيخ إلا أن رفع يديه ودعاعليه قائلا : أسأل الله تعالى أن يبتليك بما ابتلاني به .
وبالفعل ما هي إلا أشهر وإذا بالشاب يبتليه الله تعالى بما قذف به ذلك الشيخ ، فابتلاه الله تعالى بنفس المرض ، فجزع الشاب جزعا شديداولم يصبر على ذلك البلاء ، بل وأكثر من الاعتراض والتسخط ، ولم يرض بالقضاء والقدر ، ومات وهو على تلك الحالة والعياذ بالله تعالى .
ولذا فاحذر أخي المسلم من عاقبة التكلم في الناس وإطلاق لسانك ليمر على كل شيء ، وقد علَّمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الدعاء إذارأى أحدنا المبتلى بقوله صلى الله عليه وسلم : «من رأى مبتلى فقال : الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاك به وفضلني على كثير ممن خلقتفضيلا ، لم يصبه ذلك البلاء» [الترمذي وابن ماجه
4⃣ #فضول_الفكر
يعتبر الفكر أساس العقل ، فلا عقل من غير فكر وتفكير ، والعقل هو أساس التكليف ، ولا تكليف على من فقد عقله ، والعقل هو مسرح الفكر ،فالإنسان تسبح أفكاره في عقله وتجوب الخواطر فيه ، وليس هناك حد للفكر ، فالإنسان قد يفكر وتخطر بباله آلاف الأفكار والخواطرالعقلانية واللاعقلانية ، الصحيحة وغير الصحيحة ، أفكار حسنة وأخرى مشينة ، خواطر مفيدة وأخرى ضارة .
ولكن الشرع الإسلامي أمر المسلم أن يكون فكره وخاطره فيما يرضى الله تعالى ، بحيث يستغل المسلم طاقته العقلية بما يعود عليه بالنفعوالمصلحة .
والإنسان القوي العاقل هو الذي يملك فكره ، فلا يسمح لعقله أن يفكر في كل شيء، ولا سيما الأفكار الضارة وغير المنضبطة ، في حين أنالضعيف والجاهل والأحمق هو الذي لا يستطيع أن يقوم فكره ، فتجده يفكر في كل شيء ، ويسمح للخواطر من كل حدب وصوب أن تلعب به، قال صلى الله عليه وسلم : «الكيِّس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت ، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله» [الترمذي وابن ماجةوأحمد] .
والحقيقة أن الإنسان مهما كان لا يستطيع أن يضبط فكره في اتجاه معين من التفكير ، وحتما ستمر عليه أوقات تجده يفكر في كل شيء ؛لأنه يتأثر بكل شيء من حوله مما يرى ويسمع ، ولكن العاقل والمؤمن هو الذي لا يستسلم ولا يسترسل في فكره ، ولا سيما الفكر غير السليم ،وهذا هو الفرق بين العالم والجاهل .
فالعاقل يفكر فيما يعود عليه بالمنفعة والمصلحة ، حتى وإن فكر فيما سوى ذلك - مما يدور في الرأس من خواطر وأفكار قد تكون فارغة وغيرهادفة - تجده سريعا ما يعود ويفطن ، فلا يتأثر بها ، ولا يضيع وقته فيما يسمى بأحلام اليقظة ، قال صلى الله عليه وسلم : «إذا تمنىأحدكم فلينظر ما يتمنى ، فإنه لا يدري ما يكتب له من أمنيته» [أحمد، والبخاري في الأدب المفرد] .
ومن دعاءه صلى الله عليه وسلم : «وأن يكون صمتي فكراً» أي حين يصمت لساني يسبح فكري بذكرك يا رب .
والله تعالى قد حذرنا في محكم التنزيل من الاسترسال في الفكر والتسليم لذلك، وسماه عز وجل بخطوات الشيطان ، فالإنسان إن استسلملخواطره أيا كانت تجد أن الشيطان يستدرجه حتى يوقعه في الشر ، وربما يُذكره بخير يسير ويحثه عليه ليوقعه في شر كبير .
ولذا فالواجب على المسلم أن يحذر من ذلك ، فلا ينساق خلف أفكار وخواطر تسحبه رويدا حتى تجعله يقترف الحرام ، فكثرة التفكير فيالمعاصي والمحرمات ومعاودة ذلك يُهوِّنها في عين المسلم ويُسهِّل عليه اقترافها .
ومن رحمة الله تعالى أنه عفا عن أمته حديث النفس ، وأنه عز وجل قبل ذلك ستره على المرء ، فكيف لو كشف عنا جميل ستره سبحانه ! قالصلى الله عليه وسلم : «إن الله عز وجل تجاوز لأمتي عما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تكلم به» [ رواه الجماعة] ، ولذلك كان من دعاءالصالحين : الحمد الله الذي منَّ علينا بجميل ستره ، ولم يفضحنا بسوء أعمالنا ، ولا بما فيما أنفسنا.
قال الشاعر :
وفي الناس شر لو بدا ما تعارفوا ••
ولكن كساه الله ثوب غطاء
والمعنى أن الله تعالى برحمته قد ستر علينا شرور أنفسنا ولم يفضحنا بإظهارها، وإلا لتنكر الناس لبعضهم عما بدى من شرور أنفسهم ،والحمد لله على ذلك.
من ظواهر فضول الفكر :
#أحلام_اليقـظة
تعتبر أحلام اليقظة من أهم ظواهر فضول الفكر والتي يضيع فيها الكثير من الناس معظم أوقاته ، بل وربما وجد فيها راحة نفسه مما لايستطيع تحقيقه في عالم الواقع .
وحقيقة كلما ضعفت نفس الفرد كلما استغرق في أحلامه وأفكاره هربا من الواقع ؛ لأنها تمثل له منفسا عما بداخل نفسه وما عجز عنتحقيقه .
والحقيقة أن أحلام اليقظة لا يكاد يخلو منها عقل بشري ، ولكن ما كان من باب الهمم العالية والتصميم والتخطيط ورسم المستقبل فلا بأس به، بل هو شيء جميل ومطلوب ، ولكن ما كان من باب قتل الوقت والتفكير العشوائي الذي لا حدود له ، والذي قد يخرج عن حدود العقلانية إلىحدود الخيال والأماني الكاذبة وربما الشهوانية المجردة من القيم والضوابط- فلا يلجأ إليه غالباً إلا من ضعفت نفسه ، وقصرت همته ،وتقاعس عن التصميم ، ولم تكن له قوة إرادة وعزيمة ، فهو تائه في عالم الأحلام وإن لم يكن نام.
تعليقات
إرسال تعليق
شكراً على تفاعلكم معنا